تقرير حول الجلسة الافتتاحية لدورة: مهارات الإصلاح والوساطة الأسرية وتطبيقاتها في الواقع المعاصر.
نظم المركز الدولي للأبحاث والدراسات التربوية والعلمية عبر تطبيق زووم، يوم الإثنين 15 فبراير 2021، الجلسة الافتتاحية لدورة: “مهارات الإصلاح والوساطة الأسرية وتطبيقاتها في الواقع المعاصر”، وذلك بتأطير فضيلة الدكتور الشيخ سالم عبد السلام الشيخي، وقد عرفت مشاركة أكثر من 130 مشارك ومشاركة من من 13 بلدا، وهم نخبة من أساتذة جامعيين ومحامين وباحثين وممثلي مراكز وجمعيات مهتمة بمجال الإصلاح الأسري.
افتتحت الجلسة على الساعة 19:11 بآيات من الذكر الحكيم، تلاها القارئ الدكتور عبد الإله بالقاري، وبعده تناول الكلمة الدكتور ربيع حمو مدير الدورة الذي رحب بجميع المشاركين، وأكد على أهمية الدورة كونها ترتبط بأهمّ لبنة في بناء المجتمع وهي الأسرة. مجدّدا الترحيب بمدرّبها الأستاذ الفاضل”سالم عبد السلام الشيخي” صاحب الخبرة والتّجربة الحية والواعية في مجال الوساطة والإصلاح الأسري.
تناول الكلمة بعده الدكتور عبد العظيم صغيري” نائب مدير المركز الدولي للأبحاث والدراسات التربوية والعلمية” باسم المركز، افتتحها بالتنويه بهذه الدورة الدولية الأولى التي ينظمها المركز، آملا أن تكون مداد خير، وحبر بركة للتأسيس لفهم عميق وشامل للوساطة الأسرية وتطبيقاتها في الواقع؛ خاصة أمام التحدّيات الكثيرة التي تواجه الأسرة المسلمة في العالم المعاصر، مقابل حلول مرتجلة في المواقف، وتطبيقات حرفية للنصوص القانونية في فصل كلي عن مقاصدها.
وقد أكد الدكتور صغيري على أهمية تعزيز مهمة ودور الوساطة بالممارسة العملية على الواقع. وذَكّرَ فضيلتُه بمقاصد الدورة من حيث موضوعها ومن حيث القامة العلمية المشرفة عليها وهو الأستاذ “سالم الشيخي” باعتباره ممارسا مجرّبا. وأجمل أهداف الدورة في:
تحديد مسار الوساطة الأسرية والمنهجية الإصلاحية المناسبة للواقع الإسلامي؛تطبيق المبادئ والمهارات التي يكتسبها المدرب في مواطن عمله وممارساته الإصلاحية؛
التعامل باحترافية مع نموذج ميثاق الحياة الزوجية المقترح؛
تحليل المشكلات بين الزوجين وبيان حيثياتها؛
صياغة خطة عملية صحيحة لإخراج الزوجين من الخلاف إلى جو الاستقرار؛
مساعدة الزوجين على التعرف على نواحي الخلل الوظيفي في علاقاتهما
وبعد ذلك، تدخل الشيخ الدكتور المدرب “سالم الشيخي” ليبسط الرؤية والمنهجية البيداغوجية التدريبية الخاصة بالدورة، حيث تناول في مقدّمة حديثه التحوّلات الكبيرة والعميقة التي تواجه المنظومة الأسرية في عالمنا الإسلامي، والتي أثرت بشكل مباشر على بنية خلية الأسرة، كونها تتعرّض للانحلال وكثرة حالات الطلاق والخلع والاستشارات الخاصة في المحاكم وغيرها، وأعطى أرقاما وإحصاءات دقيقة. وأشار إلى أن دور الوساطة ما يزال ضعيفا ودون المستوى المطلوب في معظم الدول الإسلامية.
كما أشار إلى الوضع في بريطانيا، وخاصة في ظل مجالس الشريعة Chariaa Council التي تؤدي أدوارا إصلاحية وقضائية وتحكيمية، بحيث إنه نتيجة للتطور في الأنظمة القضائية الأوروبية تبلورت ظاهرة الوساطة الأسرية في عدة مجالات تدريبية وتخصصات جامعية وقضائية وغيرها، لتحقيق الوساطة الأسرية للإصلاح والتواصل بين الأزواج، وهذا نتاج التطورات الكبيرة في حالات الطلاق التي وصلت إلى 52%.
وذكر أنه نتيجة تبلور مشروع الوساطة لدى الغرب، انتقل الأمر إلى عالمنا الإسلامي، فظهرت قوانين الخلع وارتفعت نسب الطلاق وغيرها؛ وتمّ إدراج نظام الوساطة والتحكيم في منظومة الأحوال الشخصية. ومن هنا جاءت فكرة الدورة قصد التعاون على إيجاد نواة تتعلق بالوساطة والإصلاح.
بعد فترة استراحة لعشر دقائق، استأنف الأستاذ سالم الشيخي مداخلته، حيث قام بعرض خارطة الإصلاح والوساطة الأسرية المصممة وفقا للمعايير الأكاديمية البريطانية لتطوير الموارد البشرية HRDA، وقد بدأ عرضه بالتذكير بأهم ضوابط الاشتغال خلال الدورة، من أجل تحصيل المشاركة الفاعلة، من ذلك مثلا حضور كلّ الجلسات والتفاعل أثناء الورشات والالتزام بالوقت، وإبعاد كل المشوشات وغير ذلك.
كما تطرق كذلك إلى حيثيات إدارية تتعلق بالدورة من حيث الوقت والاستراحة وعدد الجلسات المخصصة والورشات، مشيرا إلى ما يتعلّق بالعرض وطريقة التّدريب من جهة التعامل مع مفردات الدورة والتمارين الموجهة في الورشات.
وبعد هذه المقدمات، عرض “تجربة الإصلاح والوساطة الأسرية لمجالس الشريعة في بريطانيا ” منبّها إلى أنها نتاج اختيارات وتجارب عملية نشرت في بريطانيا في مجال الوساطة والإصلاح الأسري. وقد بدأه بسؤال المشاركين عن أهمّ سبب في فشل عملية الإصلاح والوساطة بين الزوجين، وتلقى إجابات كثيرة، خلص منها إلى سبب مهم ورئيس، وهو غياب الدّليل أو المنهج الذي يعتمد عليه الوسيط في مهمّته.
وقد نبّه إلى أن الهدف العامّ للدورة هو قدرة المتدرّب أو الوسيط على قياس النجاح في الوساطة الأسرية وفقا لنموذج ومعيار التّصور الإسلامي.وقد نبه فضيلة الدكتور إلى أنّ معظم المشتغلين بالوساطة الأسرية في العالم أعدّوا ميثاقا يحوي مهارات ومعارف الوسيط ومفاهيم مهمّة، لكن ينقصه الميزان الذي يُعتمد عليه ويقاس من خلاله مدى نجاح مهمة الوسيط من عدمه، وهو الميزان الشرعي الإسلامي.
وقد ساق المدرب في السياق نفسه أهدافا جزئية خاصة بالدورة، تتمحور حول تحديد مسار الوساطة الأسرية وكيفية التعامل مع ميثاقها المقترح، إضافة إلى تحليل المشاكل بين الزوجين من خلال التصور العام، وصولا إلى صياغة الخطة العملية للإصلاح مع فتح أبواب الحوار والنقاش بينهما. كما أكد أن هذه الدورةَ دورةٌ علمية تدريبية لبيان المسار العملي المطلوب للوصول إلى وساطة أسرية فعالة وناجحة.
وعرض لثلاث مصادر للدورة وهي:
الفقه بأصول وأحكام العلاقات الزوجية؛
الثقافة الأسرية الإسلامية والإنسانية العامة؛
التجارب والممارسة الميدانية.
وبعد ذلك، بسط أهمّ محاور الدورة الكبرى على الشكل التالي:
مدخل إلى الوساطة الأسرية (مقدمات)؛
مسار العمل في الوساطة الأسرية ومناهجه؛
دستور الوساطة الأسرية ومهاراتها؛
نموذج قياس الاستقرار الأسري؛
ورش العمل المتنوعة.
كما أكد أن الوساطة الأسرية فرع عن الإصلاح وتشمل الإرشاد والاستشارة، كما أن التركيز في هذه الدورة سيكون فقط على العلاقات الزوجية، أما ما يتعلق بالعلاقة بالأبناء، فإن هذا ستخصص له دورة أخرى.
وقد عرض الأستاذ الشيخي مجموعة من النقاط أهمها:مفهوم الوساطة: حيث تعني دخول وسيط بين طرفين متخاصمين لإنهاء الخصومة بينهما؛ مفهوم الإرشاد: وهو أن يتولى الوسيط عملية الإصلاح والمتابعة الكاملة مع التزام الزوجين بالخطة العملية المطروحة؛ مفهوم الاستشارة: وهي تولّي المصلح تقديم الاستشارة والرّأي وترك التطبيق والمتابعة والتقويم للزوجين، وهذا يكون بحسب القضية وملابساتها؛ الوساطة الأسرية: تعتبر من أقدم المهمّات الإصلاحية عبر تاريخ البشرية، حيث كان يتولّاها شيوخ القبائل ووجهائهم. والآن تعدّدت محاولات تقنينها وتوصيفها لتعدّد وتفرّد مشاكل الحياة الزوجية؛يجمع كلّ هذه المفاهيم مسمّى الإصلاح وهو التأليف بين المتخاصمين بالمودّة من غير أن يجاوز المصلح حدود الشرع.
كما تطرق الشيخ أيضا لفضل الإصلاح والوساطة الأسرية إذ دلّت عليه نصوص عدّة من القرآن الكريم كقوله تعالى: “فاتّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم”، وقوله عليه السلام: “أفضل الصدقة إصلاح ذات البين”، إضافة إلى تواتر الإجماع من أهل العلم والعقلاء.
وقد خلص بعد هذا إلى أنواع الوساطة الأسرية، وذكر منها:
التعاقدية الرضائية التي تنظمها القوانين الخاصة بين الطرفين؛
القضائية والتي تكون بإجبار من القاضي وهي على قسمين (وساطة إرشاد وتوجيه ووساطة تحكيمية).
وبعد فترة استراحة ثانية من عشر دقائق، استأنف المحاضرة جلسته متحدّثا عن الإصلاح والقضاء، حيث أشار إلى أنّ المجال القضائي فيما يتعلق بالوساطة الأسرية مفتقر جدا لركن الإصلاح والتحكيم، كما عرض لجملة من مبرّرات إقبال النّاس على التحكيم والإصلاح قبل التقاضي، وذلك لكون الإصلاح والتحكيم يتميّز بالطوعية حيث يلجأ إليه الزوجان بإرادتهما، كما يتميز بالسرية وسرعة الإنجاز خلافا للقضاء، إضافة إلى المرونة وحفاظه على الأسر الممتدّة.
ثم عرض لشروط الوسطاء في مجالس الصلح، والمتمثلة في الأهلية الشرعية المتعلقة بالمجال الأسري، وفهم قوانين الأسرة في البلد، إضافة إلى الحدّ الأدنى من مواصفات المصلح الاجتماعي ثمّ معرفة الفوارق الطبيعية بين الزوجين، وصولا إلى الالتزام بالميثاق الأخلاقي مع التدريب الميداني.
وفي محور ثان معنونٍ ب “مسار العمل في الوساطة الأسرية ومنهاجه”، عرض الدكتور المراحل الأربعة التي سيتناولها بالدرس والتحليل والنقاش، وقد اقتصر على المرحلة الأولى، على أن يستكمل باقي المراحل في الجلسات القادمة؛ هذه المرحلة تتعلق بفهم الحالة بشكل عامّ، والتّفريق بين غياب الفهم الصحيح والعادات السيئة؛ لأن الوسيط غالبا ما يقع في هذا الخلط، إذ الفرق بيّن بين قضايا المفاهيم وقضايا العادات الخاطئة، ومن بين أهم الأمور التي تُنجِح الوساطة:حسن الاستقبال وآدابه؛ المكان وحيثياته؛ الزمان ومتعلقاته؛ العلم بالمعلومات الخاصة بالزوجين عن طريق تعبئة استمارات قبلية؛ بيان شروط الوساطة والتزامات الأطراف بها.
وفي ختام هذه الجلسة الافتتاحية، شرح الدكتور المحاضر للمشاركين ما يتعلق بأعمال الورشات، وكيفية تدبيرها، كما أكد على ضرورة الحضور في الورشات والتفاعل فيها، وقد تم تكليف جميع المشاركين بالإجابة على استمارة ترسل إليهم لاحقا، وكذا مناقشة سؤالين أساسيين: 1. متى يقرر الوسيط إيقاف جلسة الوساطة؟ 2. متي يقرر الوسيط إيقاف الوساطة بشكل نهائي؟
وأثناء ختم الجلسة الأولى، ذكّر مدير الجلسة “د. ربيع حمو” بتوقيت الورشات القادمة، وطريقة الاشتغال فيها وسيرورتها بين المجموعات التفاعلية، ثم ختم الجلسة بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور المدرب “سالم الشيخي” ولجميع المشاركين. لتنتهي الجلسة على الساعة العاشرة و 22 دقيقة ليلا.
والحمد لله رب العالمين.
مختارية بوعلي/الجزائر عز الدين حدو/المغرب