التعلم التعاوني في تعليم العربية لغة ثانية: دراسة في المفهوم والمرجعيات والعوائق

0 67

د. زكرياء السرتي

باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب

تقديم:

التعلم التعاوني من أبرز الموضوعات التي حظيت بالاهتمام الكبير في الدراسات والمقاربات البيداغوجية التي عنيت بتحسين التعليم وجودته، في أسلاك تعليمية مختلفة، وفي مجالات علمية متنوعة كتعلم اللغات وتعلم علوم الإحصاء والرياضيات وغيرها.

تسعى هذه الورقة البحثية إلى مقاربة مفهوم التعلم التعاوني في منظومة “تعليم العربية لغة ثانية”، والمرجعيات النظرية لهذا المفهوم، والتجارب والخبرات المرتبطة بهذا النمط من التعلم في “تعليم اللغة العربية”، ورصد العوائق، ومعالم المقاربة المندمجة التي نقترحها.

وتنطلق إشكالية البحث من التجارب البيداغوجية في تعلم وتعليم اللغة العربية في مؤسساتنا الجامعية العربية، خاصة واقع الأقسام المختلطة في كليات الآداب وكليات اللغة العربية بالمغرب حيث يباشر الطلاب العرب والأفارقة والآسيويون جميعا تعلم اللغة العربية معجما ونحوا وصرفا وبلاغة، فلا يتأتى استخدام الطرائق البيداغوجية الملائمة لتطوير الكفايات لدى المتعلمين.

المبحث الأول: لتعلم التعاوني: المفهوم والمرجعيات النظرية

المطلب الأول: في تأطير مفهوم التعلم التعاوني

كثيرة هي التعاريف الخاصة بمفهوم التعلم التعاوني، وما يشتمل عليه من تصورات وإجراءات وخطوات يتعين بناؤها وإنجازها بشكل جماعي مضبوط ومتوازن. وسنقتصر في هذا السياق على بعضها:

  • ü    نشاط يقوم على إشراك مجموعة صغيرة من المتعلمين يعملون معا كفريق واحد من أجل حل مشكلة، أو استكمال مهمة، أو إنجاز هدف مشترك. (Artzt and Newman 1990, p. 448)
  • الاستخدام التعليمي للمجموعات الصغيرة حيث يعمل الطلاب معا  لتحقيق أقصى قدر من تعلمهم الذاتي وتعلم زملائهم.(Johnson, Johnson, and Smith 1991,p. 5)
  • عندما يعمل الطلاب معا في مجموعات تعاونية،
    فإنهم يميلون إلى أن يحبوا بعضهم بعضا ،
    وأن يدعموا ويشجعوا جهود بعضهم البعض في حل مسائل الرياضيات
    بنجاح، وأن يوفروا العون والمساعدة في ذلك، وأن يتبادلوا التقدير، وأن ينظروا إلى بعضهم البعض بوصفهم قادرين على حل المسائل الرياضية .(Davidson 1990, p. 109)
  • التعلم التعاوني هو المفتاح لعمل مجموعة ذي جودة عالية، وهو ما يجعل الطلاب ينجزون العديد من المهام بمراعاة الأهداف الأكاديمية والمهارات الاجتماعية. (Goodsell, Maher, and Tinto 1992, p. 15)

يعطي جونسون وجونسون  (Johnson et Johnson, 1999, p. 59) أهمية معينة لمبدأ الاستقرار. وهم يرون أن ديناميكية المجموعة تتحقق ببناء التوازن .هي عبارة عن كفاية اجتماعية جماعية يمكن أن يكون بناؤها لمدة طويلة. كما أن عمل المجموعة التعاونية لا يمكن أن يكون مفروضا. ويقترح جونسون وجونسون (1999) أيضا تسلسلا هرميا للصعوبات المرتبطة بعمل المجموعة. ويضعون أربع درجات في حيوية ونشاط هذا العمل:

  • يجب أولا تشكيل الفريق.
  • ينبغي أن يعمل المشاركون معا.
  • ثم ينبغي أن يكون الإعداد جماعيا.
  • ينبغي أن يكون التطوير جماعيا.
  • ختاما، من الضروري أن يبنوا التصور جماعيا.  

المطلب الثاني: فوائد التعلم التعاوني

يمكن أن نحدد للتعلم التعاوني العديد من الآثار الإيجابية ذات الطبيعة المختلفة. ففي قراءة تركيبية لأنسيرجويكس (Ensergueix, 2010, p. 34)  نجده يحدد أربع فئات من الفوائد المرتبطة بتنفيذ التعلم التعاوني في بيئة مدرسة تقليدية:

  • فوائد مدرسية: يشارك التعلم التعاوني في تنمية الكفايات الانعكاسية les compétences réflexives، ويحفز الفكر النقدي، ويطور الكفايات التواصلية الشفهية les compétences communicationnelles verbales,، ويخلق أجواء مساعدة على التعلم الاستكشافي، ويطور المساءلة لدى الطلاب.
  • فوائد نفسية: يشجع التعلم التعاوني الطلاب على قبول صريح لمساعدة أقرانهم في هذا السياق البيداغوجي، والحد من توتر الطلاب نظرا لتجنب المواقف المتعنة
    جراء فشل التواصل الصفي.
  • فوائد تقويمية: في التعلم التعاوني، يملك المدرس فرصا كثيرة للقاء الطلاب في نشاطهم الحقيقي مما يكشف مستوى كفايتهم وفهمهم.
  • فوائد اجتماعية: تنمية الكفايات الاجتماعية الإيجابية التي تساعد على إدارة
    الصراعات، وتطوير سلوكيات التعاطف، وتطوير
    العلاقات البينية، وتعلم قواعد الحياة في الجماعة، والانفتاح على التنوع الثقافي، واستشعار مفهوم المواطنة من خلال الاستخدام الجيد للنقد والأدوار الاجتماعية المختلفة.

وقد حرص إيبينو (EPINOUX, 2014, p. 158 ) على إظهار فائدة استخدام التعلم التعاوني لبناء الكفايات سواء أ كانت مدرسية أو اجتماعية.  كما بين عوامل فعالية التعلم الجماعي ضمن سياق بروتوكول التكوين في موضوع الكفايات الاجتماعية.

المطلب الثالث: التعلم التعاوني اللغوي

التعلم التعاوني، بحسب يان تشانغ (2010Yan Zhang, )، يحيل إلى طريقة تعليمية منهجية يعمل من خلالها الطلاب في مجموعات صغيرة لإتمام الأهداف التعلمية المشتركة. والطاقة القصوى للتعلم التعاوني في قسم اللغة الأجنبية تحتاج إلى مزيد من الاستغلال.

تحت عنوان ” خصائص التعلم التعاوني اللغوي”، يشير يان إلى أن حقل تدريس اللغة شهد تطورا كبيرا في الخمسين سنة الأخيرة، ويقيم مقارنة بين التعلم اللغوي التعاوني والتدريس التقليدي للغة لأنها تساعدنا على التعرف بشكل أعمق على مبادئه ورجحانه. وتشمل تلك المقارنة خصائص وجوانب متنوعة منها مبدأ الاستقلالية، وأدوار كل من المتعلم والمدرس، ووسائل التدريس،  وأنواع الأنشطة، والتفاعل بين الزملاء، وتنظيم القاعة، والعلاقة بين المدرس والمتعلم.

ونحن نعتقد أن ثمة مجموعة من العوامل والأنشطة المساعدة على تحقيق نتائج إيجابية من استخدام التعلم التعاوني اللغوي، نذكر منها:

  • حسن توزيع المهام بين أعضاء المجموعات التعاونية سواء من قبل المدرسين أو الطلاب …
  • بناء المهام والأنشطة التعلمية، بشكل جماعي، خاصة مع استحضار كون الاكتساب اللغوي لا يقتصر على اللغة بوصفها موضوعا علميا بل يتجسد أساسا في الممارسة الكلامية المستمرة داخل المجموعات نفسها.
  • استثمار المعاجم الثنائية التي تراعي الفروق الثقافية والتداولية بين الأنظمة اللغوية …
  • استثمار الموسوعات الثقافية التي تمنح أولوية للقيم والعادات والتمثلات وأنماط العيش في استيعاب المعطيات اللغوية …
  • استثمار الوسائط الالكترونية وتكنولوجيا المعلومات بشكل عام، وحسن توظيفها في تنمية الكفايات لدى المتعلمين. ونركز هنا بشكل خاص على الموارد اللغوية الرقمية التي يتعين انتقاؤها بعناية، من قبل أعضاء المجموعة التعاونية، والحرص على استخدامها لتحقيق الأهداف الجماعية المشتركة.

كما أن التدخلات البيداغوجية للمدرسين في سير أنشطة التعلم التعاوني اللغوي ينبغي ألا تقتصر على تشكيل المجموعات، والمساعدة في بناء المهام الخاصة بكل عضو، بل يتعين أن تمتد لتشمل التقويم التتبعي للإنتاجات الكتابية والشفهية، وتقييم الأعمال والمخرجات  وغيرها.

المبحث الثاني:  التعلم التعاوني بكلية اللغة العربية (جامعة القاضي عياض –  مراكش)، الطرائق والعوائق

المطلب الأول: التعلم التعاوني في تعليم اللغة العربية بكلية اللغة العربية

في هذه الفقرات، نتحدث عن الطرائق والاستراتيجيات المستخدمة في تدريس اللغة العربية وفق منظور التعلم التعاوني لطلبة كلية اللغة العربية ، مع العلم أن هؤلاء الطلاب يدرسون جميعا في أقسام مختلطة بين الطلبة المغاربة والأفارقة القادمين من بلدان مختلفة .[1] ولهذا وجب التنبيه إلى أن الجامعات المغربية، وخاصة كليات الآداب والعلوم الإنسانية، لا تفرد الطلبة الأجانب (من بلدان عربية وإفريقية وآسيوية) بأقسام وصفوف خاصة لتعلم وتعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية.

ولا تشذ كلية اللغة العربية بمراكش عن هذه القاعدة العامة؛ ففيها يتعلم الطلاب علوم اللغة العربية وآدابها دون التنصيص القانوني والبيداغوجي على الفروق بين تعليم اللغة العربية للعرب وتعليمها لغير العرب.  وسنقف  في المطلب الثاني عند العوائق والآثار الناجمة عن إغفال تدريس اللغة العربية  بوصفها لغة ثانية.

الفقرة الأولى : كلية اللغة العربية، نظرة عامة

كلية اللغة العربية هي مؤسسة للتعليم العالي تابعة لجامعة القرويين العريقة (فاس)، وقبل شهرين صدر قرار بتغيير هيكلة هذه الجامعة[2]، وإلحاق كلية اللغة العربية بجامعة القاضي عياض (مراكش).

كلية اللغة العربية هي امتداد تاريخي لكلية ابن يوسف بمراكش، و بعد الإصلاحات التي عرفتها مختلف الجامعات المغربية في الميدان التربوي و الإداري تحول اسمها إلى “كلية اللغة العربية” التي تم تأسيسها بناء على الظهير الشريف بمثابة قانون رقم  1.62.249 الصادر في 12 رمضان 1382 (6 فبراير 1963) وتهتم بالدراسات الإسلامية واللغة العربية، وتتوفر على شعبتين هما : شعبة اللغة العربية وفقه اللغة وشعبة الأدب العربي و تاريخ الأدب و النقد الأدب ، و على مسلك الدراسات العربية (الإجازة-البكالوريوس)، أما مسالك الماجستير المعتمدة فهي مسلك ماجستير ” الدرس اللغوي و الخطاب القرآني ” و ”  مسلك ماجستير البلاغة و الخطاب ”.

كما تشتمل الكلية على بنيات بحثية هي :

  • مجموعات البحث : “ مجموعة البحث في البلاغة وتحليل الخطاب ” و” مجموعة البحث في الدرس اللغوي العربي : الأسس والمناهج ”، و “ مجموعة البحث في اللغات السامية ”.
  • المختبرات البحثية : ” مختبر التفكير المنهجي ”.

الفقرة الثانية : التعلم التعاوني طرائق ومشاريع واعدة

إيماناً بأهمية اعتماد التعلم التعاوني في تطوير برامج واستراتيجيات تعليم اللغة العربية وتعميق معارفها وعلومها لدى الطلاب[3]، تبذل الهيئة التدريسية بكلية اللغة العربية (مراكش) جهودا تطبيقية وإجرائية بتوظيف طرائق متنوعة تكسب المتعلمين مهارات جديدة وتصقل قدراتهم وكفاياتهم الاستراتيجية والاجتماعية والثقافية والتواصلية.

وقد سبقت الإشارة إلى أن تعليم العربية لغة ثانية في كلية اللغة العربية – بل في سائر الجامعات المغربية – لا يتم بشكل مستقل، بل هو مدمج ضمن تعليم العربية للناطقين بها.[4]  ولهذا سينصرف اهتمامنا إلى تقديم وتقويم تلك الطرائق والأساليب التعليمية التعلمية المتصلة بموضوع بحثنا “التعلم التعاوني”؛ و نبين في هذا الصدد ما يلي:

المجموعات التعاونية : يلجأ بعض أعضاء الهيئة التدريسية، في بعض الأحيان، إلى استخدام المجموعات التعاونية لتطوير الكفايات اللغوية والثقافية والمنهجية للطلاب في مختلف مستويات الدراسة الجامعية، وبالأخص في سلك الإجازة والماجستير حيث يكون الطلبة أمام استحقاق إنجاز بحث التخرج.  

ويجب التذكير هنا بأن هناك أنماطا لتقسيم المجموعات Grouping Patterns، إذ تم التمييز عادة بين مجموعات التعلم التعاونية غير الرسمية ( هي مجموعات مؤقتة تدوم فقط في مناقشة واحدة أو فترة صفية واحدة ) والمجموعات الرسمية ( هي مصممة بطريقة تسمح للطلاب بأن يكون لديهم وقت كاف لاستكمال مهمة أكاديمية قد تستمر عدة أيام أو أسابيع ) ومجموعات القاعدة Base groups ( التي يتم تشكيلها لتقديم دعم طوال الفصل الدراسي أو السنة الأكاديمية ). (Johnson et Johnson, 1999,p 15.)

ومن العناصر المحددة للتعلم التعاوني، والمطلوبة في عمل المجموعات: أ-الاعتماد المتبادل الايجابي بين الطلاب. ب-التفاعل وجها لوجه. ت-المسئولية الفردية و الجماعية. ث-المهارات الاجتماعية و مهارات المجموعات الصغيرة، مثل الاستماع، توزيع الأدوار ،  المساهمة،  التوصل لاتفاق، التشجيع، التعاون، اتباع التعليمات.  ج-تقويم المجموعة لعملها.  (جونســون وزملاؤه، 1995، ص ص 1-6، 1-7)

ويمكن أن نميز في المضمار التطبيقي لبحثنا بين :  

المجموعات التعاونية الرسمية :

يستخدم هذا النوع من المجموعات التعاونية في كلية اللغة العربية ضمن استراتيجيات الإشراف العلمي على بحوث الطلاب، إذ يحدد بعض أعضاء الهيئة التدريسية موضوعا واحدا مشتركا يعمل على إنجازه مجموعة من الطلبة، ضمن عمل تسلسلي وتكاملي؛ ولنضرب مثلا على هذا المنحى من الأعمال المشتركة :  فالأستاذ المشرف يكلف مجموعة من الطلاب بدراسة ظواهر بلاغية لكتاب من كتب التفسير، فيعكف كل واحد منهم على جزء من أجزاء المدونة التفسيرية ويتتبع مواضع الظاهرة البلاغية المدروسة حيثما وجدت.

ولا يقف العمل التعاوني عند هذا الحد، بل يتحول الإجراء إلى بحث تعاوني جماعي، فيشارك الطلبة معا في قراءة وإنجاز البحوث بشكل جماعي، ويتبادلون المعارف ويتدارسون الخطوات المنهجية. ومن الوسائل المساعدة، استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في تطوير وتجويد أداء المجموعات التعاونية نحو ترسيخ وبلورة الكفايات اللغوية والمنهجية والثقافية.

ذلك أن بعض المدرسين يؤسسون مجموعات إلكترونية على موقع الفايسبوك، تهدف إلى تسهيل تواصل أعضاء المجموعات التعاونية المشتغلة على موضوع بحثي واحد، وتمكينهم من سبل التعاون في تجميع المصادر والمراجع، واقتراح الإطار المنهجي للبحوث، وتبادل التجارب البحثية عموما.

ومن الملاحظات المثبتة بشأن مثل هذه الأعمال التعاونية، أن الطلبة الماليزيين والأفارقة يندمجون في المجموعات التعاونية على أسس متساوية مع نظرائهم المغاربة، فيتعلمون بعضهم من بعض، ويعملون تحت إشراف المدرسين، على بناء المهام الموكولة إليهم رغم العوائق الكثيرة التي سنشير إليها لاحقا. ولكن من المفيد هنا أن نذكر أن اندماج أولائك الطلاب في المشاريع التعاونية يفتح لهم سبل اكتساب اللغة العربية وعلومها بأسرع وقت وأقل جهد.

المجموعات التعاونية المؤقتةأو غير الرسمية :

يستخدم هذا النوع من المجموعات في سياق الفعاليات والأنشطة الأكاديمية التي تنظمها مجموعات البحث العلمي في الكلية، من ملتقيات ومؤتمرات ودورات تكوينية وأيام دراسية وطنية ودولية، نذكر منها مشروع الاشتغال العلمي الذي انخرطت فيه كلية اللغة العربية بأن تجعل من التفكير النحوي والبلاغي في خطاب التفسير مجالا بحثيا مفتوحا، بدأته منذ أكثر من ثلاث سنوات، من خلال ندوتين وطنيتين؛ خصصت الأولى لتفسير “ مفاتيح الغيب ” للرازي، والثانية لتفسير “ الكشاف ” للزمخشري. كما حولته إلى مؤتمر دولي شارك فيه عدد كبير من الباحثين العرب الذين أنجزوا أوراقا بحثية في دراسة تفسير “ روح المعاني ” للألوسي.  وقد كان الفضل في هذا المضمار لمجموعة  “ البحث في البلاغة والخطاب” ومجموعة  “ البحث في الدرس اللغوي العربي : الأسس والمناهج”   اللتين أشرفتا أيضا على تنظيم المؤتمر الدولي الثاني: “ التفكير النحوي و البلاغي في “ أنوار التنزيل وأسرار التأويل ” للإمام البيضاوي ” يومي 15- 16 أبريل 2015.

كما نظم فريق البنى الأسلوبية في اللغة والأدب ندوة دولية تحت عنوان : “ البنى الأسلوبية في القصيدة العربية دراسات في الوظائف الجمالية والتداولية ”، يومي 15-16 ماي 2015.

هكذا، وفي سياق تطوير الكفايات والمهارات، تكون المشاركة الطلابية في أعمال هذه الندوات والمؤتمرات من خلال تكوين المجموعات التعاونية  وتنشيط عملها لتعطي نتائج إيجابية ومحمودة، أهمها :

إشراك الطلبة الأجانب في المجموعات التعاونية البحثية، وتعميق المعارف النحوية والبلاغية والتداولية المكتسبة في الحصص الدراسية “ التقليدية ”، وتطوير الكفايات التواصلية والمنهجية. والنتيجة الكبرى هي تأهيل الطالب ليكون مشروع باحث يعرف سبل التواصل مع الباحثين وكيفية إعداد التقارير  والمشاركة في المناقشات العلمية .

يبدأ تشكيل تلك المجموعات التعاونية قبل انعقاد المؤتمر بشهرين، بإشراف الأساتذة المتخصصين في تدريس علوم النحو والصرف والبلاغة والحجاج وتحليل الخطاب الذين يختارون الطلاب للانضمام إلى أربعة أنواع من المجموعات :

مجموعة إعداد تقارير الجلسات العلمية : يتكلف أعضاء هذا الفريق بإعداد تقارير مضبوطة عن سير الجلسات العلمية، بحيث يتوزعون عليها فيكون لكل جلسة مقرر من الطلبة.

مجموعة إعداد تقارير المحاضرات : يتكلف أعضاء هذا الفريق بإعداد تقارير عن المحاضرات المدرجة في المؤتمر، وهم بين جمهور الباحثين والطلاب المتابعين للنقاش العلمي.

مجموعة صياغة التدخلات : يبادر أعضاء هذا الفريق إلى المشاركة في المناقشة العلمية للمحاضرات المدرجة في المؤتمر، فيعدون كلماتهم بناء على ملخصات الأبحاث الموزعة من قبل، وعلى سير النقاش العلمي بعد الإلقاء .

مجموعة التنظيم والتواصل : يقوم أعضاء هذه المجموعة بالإشراف على عمليات استقبال المشاركين والحاضرين وافتتاح المؤتمر وتنظيم متابعة الجلسات العلمية واستراحات الشاي وغيرها، وطبعا بإشراف السادة الأساتذة أعضاء اللجنة التنظيمية للمؤتمر .

ذكرنا من قبل أن تشكيل هذه المجموعات يتم قبل شهرين من انعقاد الفعاليات العلمية، وتحدد المهام داخل كل مجموعة على حدة، بشكل جماعي، مع تمكين كل عضو من المشاركة الإيجابية والفعالة في جميع مراحل العمل.

وتبدأ أعمال هذه المجموعات، بعد تشكيلها، بالاطلاع على الورقة الخاصة بالفعالية، وفهم الإشكاليات العلمية والأهداف والمحاور، مع ربطها بالمضامين العلمية المكتسبة – أو التي في طور الاكتساب – في مجالات التخصص ( النحو، الصرف، علوم البلاغة،  اللسانيات التطبيقية …). وهي فرصة مهمة لدى أعضاء المجموعات لاستخدام مهارات تعبيرية كتابية وشفوية من قبيل التلخيص والتوسيع والتعليق والمناقشة والحكم وغيرها.

  • الدورات التكوينية :  تعد الدورات التكوينية الأسلوب الثاني الداعم للتعلم التعاوني في كلية اللغة العربية، إذ تنقسم هذه الدورات إلى ثلاثة أصناف : أولها صنف موجه لطلاب بعض المستويات الدراسية، ويتولى محترف التفكير المنهجي إنجازها من أجل تطوير بعض المهارات التعبيرية والمنهجية التي تفيد الطالب في مساره الدراسي، على أن هذه الدورات لا تعتمد على العمل والإنتاج الفرديين، وإنما تعتمد بشكل أكبر على عمل الفرق والمجموعات التي تنجز مشاريع تطبيقية في موضوعات لغوية متنوعة وقابلة للتقويم.  

وثاني الأصناف ما يُعده محترف التفكير المنهجي من دورات إعدادية لفائدة الطلاب الخريجين الراغبين في الالتحاق بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين [5] في موضوعات ومحاور تعليمية اللغة العربية، بناء على تشكيل مجموعات تبني بشكل جماعي تصورات ديداكتيكية للدرس اللغوي ودرس التعبير والإنشاء ودرس النصوص، وغيرها. فهي إذن دورات تكوينية لطلاب مسلك الدراسات العربية من أجل تعميق معارفهم ومهاراتهم المكتسبة في الفصول الدراسية المتعاقبة. ومن المهم في هذا السياق التذكير بأن عددا كبيرا من الطلاب في كلية اللغة العربية، ينحدرون من أصول أمازيغية، ولهذا فاللغة العربية تعد بالنسبة إليهم لغة ثانية، وهم يبذلون جهدا كبيرا في اكتسابها وخاصة في الفصول الدراسية الابتدائية من التعليم الأساسي.  

أما الصنف الثالث من الدورات التكوينية فهو موجه إلى أعضاء الهيئة التدريسية بالكلية، إذ أنجزت ثلاث دورات استفاد منها الأساتذة الجدد، تتعلق بتطوير العمل البيداغوجي ضمن إطار تعليمية اللغة العربية، وبالأخص توظيف استراتيجيات ومناهج تربوية جديدة، وعلى رأسها الكفايات والتعلم التعاوني في تعليم اللغة العربية لعموم الطلاب ولخصوص الطلبة الأفارقة والماليزيين المنتسبين إلى الكلية، وهناك مشروع عقد دورات تكوينية أخرى في العام الأكاديمي 2015-2016، في المشاريع التطبيقية والإجرائية للتعلم التعاوني (أسس تشكيل المجموعات – بناء المهام والأدوار داخل المجموعات – توظيف المواضع والأطر الثقافية في تعليم اللغة العربية لغة ثانية …)

المطلب الثاني: عوائق التعلم التعاوني في كلية اللغة العربية

ثمة عوائق متعددة لمسار التعلم التعاوني في مؤسسات تربوية وعلمية مختلفة، يهم بعضها كلية اللغة العربية، ويمكن أن نذكر بعضها بشكل عام؛ نذكر منها:

  • عوائق مادية مثل ضيق مكان- غرفة – قاعة التعلم، وفي مثل هذه الوضعيات يُنصح باستغلال ساحات المؤسسة الجامعية ومدرجاتها، وكذا تكوين المجموعات الثنائية.
  • عائق كثرة أعداد الطلاب في الفصول الدراسية: من الإمكانات المتاحة تقليل حجم المجموعات، وتغيير المكان باستثمار الساحات والقاعات الكبرى.
  • ü   عائق ضيق الوقت: يُنصح بإكساب الطلاب مهارات إدارة الوقت، وحسن اختيار المجموعات والموضوعات المناسبة للتعلم التعاوني، وإدارة المدرس للوقت بشكل فعال.
  • ü   عائق ضعف المهارات التعاونية عند الطلاب: من المفيد في مثل هذه الوضعيات أن يعمل المدرسون على بيان أهمية المهارات التعاونية، والتهيئة والإعداد النفسي للمتعلم،  والتدريب على المهارات التعاونية، ورصد المهارات المساعدة على إنجاح التعلم التعاوني.
  • عائق ضعف مهارات المدرسين في استخدام أسلوب التعلم التعاوني: من المهم أن يتم الانخراط الفعال في البرامج التدريبية وورش العمل ذات الصلة، وتبادل الزيارات الصفية بين المدرسين.

ومما يلاحظ أيضا بخصوص سير العملية التعليمية في كلية اللغة العربية:

  •  الاعتماد على المجهودات الفردية لأعضاء الهيئة التدريسية بدل المجهودات الجماعية المنسقة أو على الأقل الخاضعة لتخطيط سابق من الأقسام المشرفة على جودة التعليم.
  • غياب التخطيط البيداغوجي للدورات التكوينية وعمل المجموعات لربط الموارد بالمخرجات المنتظرة.
  • غياب تصور بيداغوجي متناسق لعمليات التقويم المرتبطة بالتعلم التعاوني من جهة، وعدم ربط تقويم التعلم التعاوني، على نحو مضبوط وصارم، بنظام التقويم والامتحانات المعتمد في مسالك الدراسة الجامعية .
  • غياب استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، وبالأخص المنصات الإلكترونية، في دعم التعلم التعاوني اللغوي وتجويد مخرجاته.   
  • ومن جملة العوائق العامة الآثار المترتبة عن بعض قرارات المسئولين في قطاع التعليم العالي، إذ يتم عقد اتفاقيات تعاون (المنح الطلابية، وتبادل الطلاب …) مع دول ومنظمات حكومية وغير حكومية دون بحث الإجراءات التطبيقية والآثار الجانبية. وفي مثل هذه الوضعيات، تضطر المؤسسات الجامعية إلى استقبال وتسجيل الطلاب الأجانب دون الالتفات إلى أهمية  الانتقاء عل أساس القدرات والكفايات.

خاتمة: نتائج وتوصيات

لقد اتضح من خلال ما سلف بعض جوانب التعلم التعاوني المرتبط بتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، والإشكالات التي تمنع من تطوير تدريسها للطلاب القادمين من مجتمعات غير عربية، كالطلاب الأفارقة والآسيويين المنتسبين إلى المؤسسات الجامعية المغربية.

وما لا شك فيه أن هذه المؤسسات العلمية مدعوة للإفادة من التجارب البيداغوجية والعلمية التي أغنت رصيد معهد اللغويات العربية بجامعة الملك سعود، وهو الذي ارتضى رؤية دقيقة ونافذة هي “الريادة العالمية والمرجعية العلمية في برامج اللغة العربية لغير الناطقين بها“، مثلما انطلق لتأدية رسالة محددة وقاصدة هي “توفير البيئة التعليمية المحفزة لنشر اللغة العربية من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية وبحثية رائدة في مجال تعلم و تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وتعلمها، وإقامة شراكة مع المجتمع المحلي والعالمي.

هذه الرسالة العلمية والبيداغوجية الواضحة تدعو كثيرا من المؤسسات الجامعية العربية إلى الانفتاح على مجموع الخبرات والمعارف والبرامج التي توفرت للمعهد، خاصة في مضمار توجيه الجهود التدريبية والعلمية لتمكين الهيئة التدريسية من أداء مهامها في بيئة تعليمية ناجحة. وتنسيق الجهود أيضا لتمكين الطلاب من ترسيخ العمل بالمجموعات التعاونية المختلفة صعودا نحو استيعاب أمثل للاستعمال اللغوي العربي في سياقات تداولية متباينة.

ومن خلال عرض ودراسة موضوع التعلم التعاوني في كلية اللغة العربية (جامعة القاضي عياض) تبين لنا ضرورة تأسيس قسم خاص بتعليم العربية للناطقين بغيرها ليتأتى استيعاب الطلاب غير العرب ضمن برامج وخطط بيداغوجية وديداكتيكية مخصوصة تراعي قدراتهم وكفاياتهم الثقافية والمعرفية في تعليمهم اللغة العربية، بل تنطلق منها في صياغة المقررات الدراسية وفي بناء استراتيجيات التعلم التعاوني اللغوي.

وفي هذا السياق، نقترح أن تستهدي مؤسساتنا بالقيم الجوهرية التي ارتضاها معهد اللغويات العربية؛ وهي الإتقان، والتعاون والعمل الجماعي.

من النتائج والتوصيات التي ندعو إلى العناية بها لتجويد مخرجات التعلم التعاوني المرتبط بتعليم العربية لغة ثانية، ما يلي:

  • بناء المهام والأنشطة التعلمية، بشكل جماعي، خاصة مع استحضار كون الاكتساب اللغوي لا يقتصر على اللغة بوصفها موضوعا علميا بل يتجسد أساسا في الممارسة الكلامية المستمرة داخل المجموعات نفسها.
  • استثمار المعاجم الثنائية التي تراعي الفروق الثقافية والتداولية بين الأنظمة اللغوية …
  • استثمار الموسوعات الثقافية التي تمنح أولوية للقيم والعادات والتمثلات وأنماط العيش في استيعاب المعطيات اللغوية …
  • استثمار الوسائط الالكترونية وتكنولوجيا المعلومات بشكل عام، وحسن توظيفها في تنمية الكفايات لدى المتعلمين. ونركز هنا بشكل خاص على الموارد اللغوية الرقمية التي يتعين انتقاؤها بعناية، من قبل أعضاء المجموعة التعاونية، والحرص على استخدامها لتحقيق الأهداف الجماعية المشتركة
  • ربط التعلم التعاوني اللغوي بمقاربة التدريس بالكفايات، على أساس كون الكفاية هي القدرة على مواجهة وضعيات محددة، بالتكيف معها عن طريق تعبئة وإدماج جملة من المعارف والمهارات والتصرفات من أجل تحقيق إنجاز محكم وفعال. والأكيد أن تنمية وتوسيع تعلم العربية للناطقين بغيرها يتمان بمراعاة جميع أنواع الكفايات؛ النوعية والممتدة والثقافية والتواصلية والمنهجية والاستراتيجية.
  • ربط التعلم التعاوني اللغوي بمجالات ووضعيات التعلم، وهنا يمكن الإفادة من اللسانيات القطاعية التي تؤكد أبحاثها على دراسة وتحليل اللغات الإدارية والسياسية والإعلامية والتجارية والدينية وغيرها. وسيكون لهذا المنظور العلمي أثره البالغ في تسريع تعلم العربية لغة ثانية.

لائحة المراجع:

  • , A. and Newman, C. (1990), How to Use Cooperative Learning in the Mathematics Class, Reston, VA: National Council of Teachers of Mathematics.
  • , N. (ed.) (1990), Cooperative Learning in Mathematics: A Handbook for Teachers, Menlo Park: Addison Wesley.
  • Ensergueix, P. J. (2010), La formation au tutorat réciproque entre pairs pour l’acquisition d’habiletés motrices complexes. L’exemple du tennis de table au collège (Thèse de doctorat en STAPS soutenue le 29 avril 2010). Bordeaux.
  • EPINOUX, Nicolas, (2014) les compétences sociales et l’apprentissage coopératif au collège : enjeux et perspectives, (Thèse de doctorat soutenue le 12 décembre 2014, sous la direction de : Lucile, LAFONT, Professeur des universités en STAPS), Université de Bordeaux.
  • , A., Maher, M., and Tinto, V. (1992), Collaborative Learning: A Sourcebook for Higher Education, University Park, PA: National Center on Postsecondary Teaching, Learning and Assessment.
  • , D., Johnson, R., and Smith, K. (1991), Cooperative Learning: Increasing College Faculty Instructional Productivity, ASHE-ERIC Higher Education Report No. 4, Washington, DC: The George Washington University.
  • Johnson, D.W., & Johnson, R.T. (1999). Learning together and alone: cooperative, competitive, and individualistic learning (5th ed.). Englewood Cliffs, New Jersey, USA: Prentice-Hall Publishing.
  • Yan Zhang, (2010) Cooperative language learning and foreign language learning and teaching. Journal of language teaching and research, Vol. 1, pp. 81-83, January 2010.

[1] – يدرس بالكلية طلاب من جنسيات مختلفة (سينغال-نيجيريا-ماليزيا) بالإضافة إلى المغاربة.

[2] – صدر الظهير الشريف رقم 1.15.71 المؤرخ في 07 رمضان 1436 (24 يونيو 2015) القاضي بإعادة تنظيم جامعة القرويين وتحديد مهامها وقائمة المؤسسات والمعاهد التابعة لها، وكيفيات سيرها، ونظام الدراسة والتكوين بها (المادة 1) . وتظل جامعة القرويين، طبقا للنص التشريعي المحدث لها، والذي خولها صفة مؤسسة عمومية للتعليم العالي والبحث العلمي في مجال العلوم الشرعية والدراسات والفكر والحضارة الإسلامية، متمتعة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي(المادة 2).

[3] – يبلغ عددهم حوالي ألفي طالب.

[4] – في مثل هذا السياق البحثي ، نغض الطرف عن معطى لساني هو كون اللغة الفصحى ليست سوى لغة التعليم النظامي، بينما تحتل اللهجات العامية مكان الصدارة لدى المتكلمين في مجتمعاتنا العربية

[5] – هي مؤسسات لتكوين الأطر العليا، وتتولى أداء مجموعة من المهام؛ منها تأهيل أطر هيئة التدريس المتدربين، وتهييء المترشحين لاجتياز مباريات التبريز للتعليم الثانوي -التأهيلي، وتكوين أطر الإدارة التربوية وأطر هيئة الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي، وتنظيم دورات للتكوين المستمر لفائدة مختلف فئات موظفي وزارة التربية الوطنية، فضلا على العاملين في مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، بهدف تحديث وتطوير معارفهم وكفاياتهم وخبراتهم المهنية أو إعدادهم لامتحانات الكفاءة المهنية.

(Visited 21 times, 1 visits today)
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.